{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ (17)}يصف تعالى عباده المتقين الذين وعدهم الثواب الجزيل، فقال تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا} أي: بك وبكتابك وبرسولك {فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} أي بإيماننا بك وبما شرعته لنا فاغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا من أمرنا بفضلك ورحمتك {وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}ثم قال: {الصَّابِرِين} أي: في قيامهم بالطاعات وتركهم المحرمات {وَالصَّادِقِينَ} فيما أخبروا به من إيمانهم بما يلتزمونه من الأعمال الشاقة {وَالقَانِتِينَ} والقنوت: الطاعة والخضوع {والْمُنفِقِينَ} أي: من أموالهم في جميع ما أمروا به من الطاعات، وصلة الأرحام والقرابات، وسد الخَلات، ومواساة ذوي الحاجات {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ} دل على فضيلة الاستغفار وقت الأسحار.وقد قيل: إن يعقوب، عليه السلام، لما قال لبنيه: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [يوسف: 98] أنه أخرهم إلى وقت السحر. وثبت في الصحيحين وغيرهما من المساند والسنن، من غير وجه، عن جماعة من الصحابة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزلُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في كُلِّ لَيْلَةٍ إلَى سمَِاءِ الدُّنيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِر فيقولُ: هَلْ مِنْ سَائل فأعْطِيَه؟ هَلْ مِنْ دَاع فَأسْتجيبَ له؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِر فأغْفِرَ لَهُ؟». الحديث وقد أفرد الحافظ أبو الحسن الدارقطني في ذلك جزءًا على حدة فرواه من طرق متعددة.وفي الصحيحين، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: مِنْ كُلِّ اللَّيلِ قَدْ أوْترَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، مِنْ أولِهِ وأوْسَطِهِ وآخِرِهِ، فَانْتَهَى وِتره إلَى السّحَرِ.وكان عبد الله بن عمر يصلي من الليل، ثم يقول: يا نافع، هل جاء السَّحَر؟ فإذا قال: نعم، أقبل على الدعاء والاستغفار حتى يصبح. رواه ابن أبي حاتم.وقال ابن جرير: حدثنا ابن وَكِيع، حدثنا أبي، عن حُرَيْث بن أبي مطر، عن إبراهيم بن حاطب، عن أبيه قال: سمعت رجلا في السحر في ناحية المسجد وهو يقول: ربّ أمرتني فأطعتك، وهذا سحر، فاغفر لي. فنظرت فإذا ابن مسعود، رضي الله عنه.وروى ابن مَرْدُويه عن أنس بن مالك قال: كنا نؤمر إذا صلينا من الليل أنْ نستغفر في آخر السحر سبعين مرة.